بين وطن منهك وبلد مثقل.. انطلاق المرحلة الرابعة من الخطة اللبنانية لعودة اللاجئين السوريين
بين وطن منهك وبلد مثقل.. انطلاق المرحلة الرابعة من الخطة اللبنانية لعودة اللاجئين السوريين
انطلقت من طرابلس، شمال لبنان، اليوم الخميس، المرحلة الرابعة من خطة الحكومة اللبنانية المنظمة لعودة السوريين إلى سوريا، بحافلات نقل موّلتها الدولة، وأمنت حافلات ومعافاة إجرائية لآلاف من العائدين عبر معبر العريضة، وجرى تنظيم القوافل بتنسيق مع مديرية الأمن العام اللبنانية وبمشاركة منظمات أممية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، وفق بيانات رسمية محلية وأممية بحسب " MTV Lebanon".
على مستوى الأرقام، تتضارب التقديرات لكن الاتجاه واضح فقد ارتفعت معدلات عودة النازحين السوريين هذا العام بشكل حاد حيث تسجّل تقارير الأمم المتحدة وإحصاءات منسقة أن مئات الآلاف من السوريين غادروا لبنان طواعية أو عادوا بعد موجات ترحيل وركود اقتصادي حاد؛ فعام 2025 شهد حتى الآن مئات آلاف العائدين من لبنان، في حين تُشير خطط لبنانية إلى توقعات بعودة بين 200 ألف و400 ألف شخص خلال العام، مع إشارات إلى تسجيل نحو ربع مليون حالة عودة مدعومة أممياً حتى منتصف العام وفق رويترز.
أسباب متعددة تدفع إلى العودة وتسريعها
يتقاطع في الظاهر سببان: أحدهما الضغوط الداخلية في لبنان، وثانيهما بيئة العودة المتغيرة في سوريا، فلبنان يمرّ بأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة أثّرت في فرص العمل والخدمات، وتسببت بتزايد مشاعر العداء تجاه اللاجئين والقيود القانونية على إقامتهم، ما دفع أعداداً من السوريين إلى اختيار العودة للبقاء، وفي المقابل، وُضعت آليات تشجيع العودة -مالية ولوجستية- بالتزامن مع تغيرات سياسية إقليمية سمحت بعودة بعض المناطق إلى سيطرة الجهات الحكومية، ما سهّل تنظيم سفرات مصالحات وعودات مدفوعة جزئياً، وتقاطُع هذين العاملين أدى إلى تسريع وتيرة القوافل المنظمة.
العودة الطوعية والعودة القسرية
تُعلن السلطات اللبنانية أن برنامج عودة النازحين طوعي، ويشمل إعفاءات مالية، ومبالغ نقدية، ودعماً لوجستياً، كما تشارك المفوضية والمنظمات الدولية في التأكد من طابع الطوعية، لكن منظمات حقوقية رصدت ممارسات تضغط فعلياً على كثيرين للعودة، ومن ذلك إخلاءات وعمليات توقيف ومصاعب اقتصادية تجعل البقاء غير قابل للتحمل، وهي عوامل تُقلّص مساحة الاختيار الحرّ أمام اللاجئ. لهذه الأسباب حذّرت منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش من أي عمليات قد تترجم فعلياً إلى إرجاع قسري أو خلق بيئة طردية.
عودة مئات الآلاف خلال فترة قصيرة تضع ضغوطاً هائلة على بنى تحتية متهرئة في مناطق إعادة الاستقبال؛ من خدمات مياه وصرف صحي إلى مدارس ورعاية صحية وسوق عمل منهك، كما أن عودة من فقدوا ممتلكاتهم أو مهاراتهم أو شبكات الدعم يعرضهم لخطر الفقر المعاد ومزيد من التشتت الداخلي. وكما تحذر وكالات الإغاثة، فإن غياب برامج دمج مستدامة وفرص عمل واقعية سيقود إلى ضعف الاستقرار وربما إلى موجات نزوح جديدة أو إلى استغلال اجتماعي واقتصادي.
ردود المنظمات الحقوقية والأممية والقانون الدولي
ردّ الفعل الحقوقي اتسم بالتحذير والرفض المبدئي لأي ممارسات ترقى إلى الإعادة القسرية، وتدعو المفوضية السامية للاجئين إلى ضمان عودة آمنة وكريمة مع تقييم فردي للحماية قبل أي مغادرة، في حين كرّرت منظمات حقوقية دولية مطالبها بوقف إرجاع من يواجه مخاطر الاعتقال أو التعرض للانتهاكات في موطنه.
ويتمحور النقاش حول مبدأ عدم الإعادة القسرية الوارد في قواعد القانون الدولي والاعتراف بوجوب أن يكون القرار فردياً طوعياً ومدروساً، خصوصاً أن لبنان ليس طرفاً في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، لكنه ملزم بمبدأ عدم الإعادة باعتباره قاعدة عرفية وانصياعاً لالتزامات حقوق الإنسان التي تحمي من التعذيب والاضطهاد وفق مفوضية شؤون اللاجئين.
المخاطر الإنسانية المباشرة
العودة السريعة من دون ضمانات حماية تؤدي إلى مخاطر فورية تتمثل في تفكك أسري نتيجة فقدان سبل العيش، ونقص وصول الأطفال إلى التعليم، وأزمات صحية غير معالجة، فضلاً عن تعرض بعض الفئات من نشطاء ومعارضين أو من لديهم سوابق أمنية لخطر الاحتجاز أو التمييز، وتشير تقارير ميدانية كذلك إلى أن اللاجئين ذوي الإعاقة وكبار السن هم من الأكثر تضرراً لضعف برامج الدعم المستهدفة، و على هذا النحو، تُحذر وكالات الإغاثة من أن العودة غير المخططة قد تحوّل أزمة اللاجئين إلى أزمة إنسانية داخل سوريا.
خطر الاستجابة الأحادية وضعف التمويل
تطالب المنظمات الدولية بدعم إقليمي منسق وبرامج تمويل طارئ لإدارة العودة وضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في مناطق العودة، وتبرز بوضوح حاجات تمويلية لبرامج الإسكان الطارئ، والمساعدات الغذائية، وخدمات الحماية والتعليم، وتأهيل البنى التحتية المحلية، ولكن بغياب سياسة منسقة وتمويل كافٍ، تصبح العودة شكلاً من أشكال الترحيل بدلاً من خيار مستدام يضمن الكرامة والحقوق.
تقترح وكالات الإغاثة والمراقبون عناصر واضحة تشمل ضمان الفحص الفردي لحالة كل شخص قبل العودة، وآليات فعّالة للمتابعة بعد العودة وتقديم دعم لإعادة الإدماج على مدى سنوات، وحماية دفعية وحماية قانونية لمن يخشى الاضطهاد، وخطة تمويلية دولية تتضمن دعمًا للبنية التحتية المحلية، كما تدعو منظمات المجتمع المدني اللبنانية والدولية إلى ممارسات شفافة تنشر قوائم وأرقامًا وإجراءات لتفادي التلاعب أو ممارسات قسرية.
المرحلة الرابعة من العودة المنظمة تعبّر عن تحوّل ملموس في سياسات لبنان والمنطقة تجاه ملف اللاجئين السوريين، لكنها في الوقت نفسه تضع اختباراً صارماً لالتزامات حقوقية وقانونية وإنسانية، والحديث عن ضمانات الطوعية والكرامة ليس شعارات يمكن تكرارها بل إجراءات يجب أن تُقاس على الأرض من خلال تقييمات فردية، متابعة أممية، برامج تمويلية مستدامة، وشفافية مطلقة في العمليات، وفي غياب هذه الشروط، سيبقى المشهد معرضاً لخطر تحويل أزمة لجوء طويلة الأمد إلى حلّ هشّ يترك أجيالاً من البشر في حلقة من الفقر والانعدام الأمني والتهجير المتكرر بحسب مفوضية شؤون اللاجئين.